#نوادر_الصحابة | الحلقة التاسعة والعشرون | الصحابي " عبد الله بن حذافة السهمي "

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مع صحابي جليل في نوادره ومواقفه نعيش هذه اللحظات اليوم، نعيش مع عبد الله بن حذافة السهمي
رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان عبد الله رضي الله تعالى عنه. قوي الإيمان وكان بطلًا مغوارًا في الحرب وفي السلام وكانت نفسه لطيفة هادئة وكان يحب الدعابة والمزاح. كان عبد الله بن حذافة رضي الله تعالى عنه وأرضاه قريبًا من الصحابة الكرام وأخوه خنيس ابن حذافة كان قد تزوج بحفصة بنت عمر بن الخطاب ثم بعد ذلك تزوجها
النبي الله عليه وسلم فصارت أمًا من أمهات المؤمنين. عبد الله بن حذافة قريب من كل الصحابة رضي الله تعالى عنه، أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى بالكتاب، ولكنه ذهب إلى شيخ أو ملك أو قائد وزعيم البحرين لأنه لم يستطع الوصول إلى كسرى. كان الوصول إلى قيصر في الروم أخف بكثير من الوصول إلى كسرى، فقد كان كسرى طاغية وكان جباراً في الأرض،
ولذلك كانوا إذا دخلوا عليه سجدوا له. أما قيصر فلم يكن كذلك، كان على النصرانية، والنصرانية علمته رقة القلب ورقة الشعور والعاطفة. لكن كسرى كان جباراً من جبابرة الأرض، لم يستطع عبد الله بن حذافة سفراء النبي صلى الله عليه وسلم أن يصل إلى كسرى ولا إلى حاجب كسرى فأعطاه إلى ملك الحيرة وأوصله ذلك الرجل إلى كسرى فمزق الكتاب وأهانه بخلاف قيصر الذي أتى بالأسقف وكان قد حمل
الكتاب دحية الكلبي إليه وناقشه وأقاموا الأدلة وتفكروا في المآلات قضية أخرى كانت عند الروم إلا أن أهل فارس مع كسرى كانوا قد تعودوا الطغيان والفساد في الأرض. علم النبي صلى الله عليه وسلم أن كسرى قد مزق الكتاب فغضب غضباً شديداً ودعا عليهم وقال: "مزق الله ملكهم". هذا الكلام له تأثير واضح فيما سيحدث بعد ذلك وفيما يستعمله بعضهم في بيان خاطئ لموقف الإسلام من
المرأة. هذه الحادثة كانت هي جذر الحديث الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: "لن يفلح قوم ولوا أمورهم امرأة"، وذلك أن هذا كسرى الذي مزق الكتاب قتله ابنه، ولما جاء ابنه في الحكم كان أبوه قد ترك حقاً فيه سم لأنه كان يعلم من رجاله أن ابنه يعد لقتله حتى يتولى الحكم من بعده وكتب على هذا الحكم إكسير الحياة يعني الذي يتناوله يعيش أبداً ولا يموت، فوجد الابن هذا الحق
في خزائن أبيه فتناوله فمات، لأنه في الحقيقة كان سماً، وتكلم الناس بأن الميت قد قتل الحي لأنه دبر له قتله بهذه الحيلة، فتولت أخت أنو شروان هذا الذي سم تولت الحكم إذا مات كسرى مقتولاً من ابنه ثم مات الابن بتدبير ذلك الأب الذي قُتل ثم تولت هذه المرأة. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لن يفلح قوم أيضا". وكأنهم مزقوا كتاب رسول الله ورفضوا الهداية ورفضوا الإسلام وظلوا على طغيانهم. ولَّوا أمورَهم تلك المرأة فقال: "لن يفلحَ قومٌ
ولَّوا أمورَهم امرأة"، وهي واقعةُ عين، وواقعةُ العين تكون مختصةً بهذا. ولذلك فسّر بعضُ العلماءِ هذا الحديثَ بما فعلهُ عبدُ الله بن حذافة الذي هو ضيفُنا اليوم في هذه اللحظاتِ القليلة. عبدُ الله بن حذافة رضي الله تعالى عنه كان قد حضر بدرًا ومن حضر بدر فهو في مرتبة عالية جدًا لأن الله اطلع على أهل بدر وقال: "افعلوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم". إذًا فعبد الله بن حذافة من هؤلاء المرضي عنهم، ولذلك كان المسلمون دائمًا يتبركون بأهل
بدر وألّفوا المنظومات فيهم حتى يقرأوا أسماءهم شفعاء لله سبحانه وتعالى وكأنهم. وكان عددهم ثلاثمائة واثني عشر وثلاثة عشر. فسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، مَن حضر بدر فقد حمى الإسلام إلى يوم الدين، وكل من دخل الإسلام إلى يوم الدين فهو في ميزان هؤلاء الأبرار الأحرار. عبد الله بن حذافة كانت فيه دعابة فأرسله النبي عليه عليه. وسلَّم أميراً على قومٍ في مرسالٍ أرسله، فإذا به صلى، فإذا بعبد الله بن حذافة جمع أصحابه وقال: "ألستُ أميركم؟" قالوا: "بلى". "أليس
لي الطاعة عليكم؟" قالوا: "نعم، بلى، فلك الطاعة، بلى لك الطاعة". إذاً أوقد ناراً وقال لهم: "تواثبوا فيها، ارموا أنفسكم في النار". فلما همَّ أحدهم أن يرمي... نفسه طاعة للأمير فإنه منعه وقال إني أضحك معكم. حفظوا هذه الدعابة وعادوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه أن عبد الله بن حذافة فعل كذا وكذا وكذا. فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف". إذاً الأمير له حق الطاعة ولكن. في المعروف لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،
والأمير الدكتاتور الذي يتكلم بلا منطق بلا مصلحة بما لا يراعي حقوق الناس فإنه لا يطاع في هذا الأمر بالذات، ونرد عليه. أما في مجال الإباحة: كُلوا الآن، اشربوا، أخِّروا، قدِّموا، كونوا هنا، كونوا هناك، فله الطاعة. أما أن يأمرني بمعصية... شخصية هكذا أن ألقي نفسي في النار فيجب عليّ أن أمتنع، ويجب عليّ أن أعلم أن الإسلام قد حررنا من ربقة سلب الإرادة، وأن لنا إرادة حرة، ولا تمتد هذه الإرادة إلى مجال المباح، لأن في المباح في تنظيم كونه يفعل كذا
أو لا يفعل كذا هذه مسائل ترجع إلى المناقشات وإلى معرفة الأصلح فنطيع فيها، إلا أنه إذا أمر بمعصية فإننا لا نطيع، خاصة على المستوى الفردي. والله لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة. عبد الله بن حذافة من أيضاً صحابته أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف وقال: "سلوني ما بدا لكم أجيبكم"، فقام عبد الله. عبد الله بن حذافة وقال له: "من أنا يا رسول الله؟" فقال: "أنت عبد الله". فقال: "ومن أبي؟" قال: "حذافة السهمي". غضبت أمه منه حينئذ وقالت له: "أرأيت لو أنني اقترفت ما تفعله نساء الجاهلية؟" فيقول لها
رداً على هذا: "والله لو نسبني إلى عبد أسود لانتسبت إليه". عبد الله أُسِر. ونحو ثمانين شخصاً من المسلمين، وجاء الملك يحاول أن يصرفه عن دينه، لكنه صمم على الإسلام وعلى البقاء على الإسلام. عذبه وعطشه وجوعه وهو يأبى. وفي النهاية جاء وقال له: "قبل رأسي أتركك". فقال له: "أقبل رأسك وتترك كل الأسرى". فقبل رأسه وترك له كل الأسرى، وكان عبد الله يفخر. بهذا أمام الناس أنه قبّل رأس كافر في سبيل أن ينقذ ثمانين
من المسلمين رضي الله تعالى عنهم أجمعين. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله. نفعنا الله بعلومهم وبركاتهم ومواقفهم ونوادرهم. والسلام عليكم ورحمة الله.