#نوادر_الصحابة | الحلقة الثالثة | الصحابي "عبد الله بن رواحة "

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مع إمام من أئمة الهدى، مع صحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان شاعراً له من بين شعرائه، دافع عن الإسلام والمسلمين وصحح
صورة الإسلام في العالمين. عاش حميداً ومات شهيداً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، مع عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله تعالى عنه. نعيش هذه اللحظات. كان عبد الله عارفاً كاتباً يكتب، وكان أهل الكتابة في العربية قليلين، منهم عبد الله بن رواحة، وآتاه الله ملكة الشعر، فكان يدافع عن رسول الله صلى الله. عليه وسلم في شعره وأسلم منذ أن أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو من أهل المدينة عارف بكل مكان فيها وكان أحد شعراء النبي. كان هناك حسان بن ثابت،
وكان هناك كعب بن زهير، وكان هناك عبد الله بن رواحة. حسان الذي كان يقول في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "وروح القدس تؤيدك". كعب بن زهير الذي قال: "بانت سعاد" فسميت بالبردة لأن النبي فرد له بردته وأجلسه عليها، وهذه علامة عند العرب للاعتزاز بقيمة الشخص وبما يفعل. وعبد الله بن رواحة كان تقياً نقياً ورعاً عالماً، وكان أحد شعراء رسول الله صلى الله عليه. وسلم عبد الله بن رواحة من البداية كان يدافع عن الرسول، فمرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير على دابة، فجاء
والدابة تثير غباراً وهي تسير في الأرض، فهذا الغبار وصل إلى مجلس عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه، وكان عبد الله بن رواحة مع مجموعة من يجلسون في هذا المجلس يتداولون في مصالحهم، ويبدو أن عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين لم يكن قد أسلم بعد، فهو أمر مبكر. كان في قلبه شيء ضد رسول الله، لأنه تهيأ لملك المدينة ولأن يكون ملكاً على الأوس والخزرج، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصار قائدُ المدينةِ وزعيمُ المدينةِ ورئيسُ المدينةِ، ذهبَ هذا الحلمُ من عبدِ اللهِ بنِ أبي بن سلول، فكانَ يحقدُ على النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ. فلمَّا
جاءَ وثارَ الغبارُ، رأى النبيُّ أنَّهُ منَ الأليقِ أن ينزلَ وأن يُسلِّمَ عليهم، فنزلَ عن الدابةِ وسلَّمَ عليهم وجلسَ يتلو بعضَ القرآنِ لعلَّ اللهَ. أن يدخله في قلوبهم فقال عبد الله بن أبي بن سلول: "ما أحسن ما تقول، ولكن قله في بيتك، ومن أراد أن يسمعك فليأتك هناك". فقام عبد الله بن رواحة ورد على ابن سلول: "يا رسول الله، نريد أن تغشى مجالسنا، وأن تسمعنا كلام الله، وأن تأتينا، ولا نذهب هكذا". فهذا الذي نريده وهذا الذي نرغبه، وتكلم مع عبد الله بن أبي سلول بطريقة شديدة نصرةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. عبد الله بن رواحة كان مع أبي الدغضاء
أخوين ولكن من الأم، وعبد الله بن رواحة لم ينجب، فمات وليس له أبناء، لا بنات ولا بنين، وعبد الله. ابن رواحة رضي الله تعالى عنه كان شديد التمسك والتبرك برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحب رسول الله. من طرائفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب بصوت جهوري أي مرتفع، وعبد الله بن رواحة كان خارج المسجد، خارج المسجد والنبي يخطب، ليس في يوم الجمعة مع الناس فبعض الناس وقفت وبعض الناس جلست فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلسوا"، فسمعه عبد
الله بن رواحة وهو خارج المسجد، فلما سمعه وهو خارج المسجد جلس حتى انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته، يعني من الممكن أن يكون لم يسمع كل الخطبة لأن صوت يصل إليه لأنه ليس في داخل المسجد، فلما عرف النبي هذا أنه امتثل للأمر إلى هذه الدرجة قال: "اجلسوا"، فجلس. دعا له بالخير. عبد الله بن رواحة يُضرب به مثلاً للالتزام الناتج عن الحب، وليس الناتج عن التكليف والمشقة والعنت وإثبات الحالة، بل إنه من الحب جلس في مرة من جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيرًا عَلَى رَكْبٍ لِلْغَزْوِ
وَلِصَدِّ الْعُدْوَانِ، وَكَانَ الْمَخْرَجُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَلْحَقُ بِأَصْحَابِي. فَأَخْرَجَهُمْ فِي بِدَايَةِ النَّهَارِ وَجَلَسَ، فَرَآهُ النَّبِيُّ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَخْرُجَ مَعَ أَصْحَابِكَ؟ قَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. يعني تبركًا بحال النبي وبالصلاة معه ثم الحكم فقال: والله لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما حصلت، فالخروج معهم أولى من الالتزام بصلاة الجمعة وهي فرض، وأولى من التبرك بسيدنا صلى الله عليه وسلم، إذًا الخروج في سبيل الله هذا له أجر كبير ضخم جدًا، فكان بعدها
عبد. الله بن رواحة أول الخارجين في سبيل الله وآخر القافلين من الغزو، لا يدخل المدينة إلا وهو في آخر الجيش، وإذا خرج في بداية الجيش حتى ينفذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. مرة كان عبد الله بن رواحة عنده بدوي جاء، وكان قلبه كما وصفه رسول صلى الله عليه وآله وسلم كان مُتعلقاً بالمجالس التي تتباهى بها الملائكة، مجالس الذكر، مجالس العلم، مجالس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مجالس إصلاح شأن المسلمين، وفعل الخير والخدمة المجتمعية. كل هذه المجالس مجالس
تتباهى بها الملائكة. كان عبد الله بن رواحة الذي وُضع في قلبه أنه يحب تلك المجالس. ويحب الذكر والدرس والعلم ونحو ذلك، فلما رأى هذا ويبدو أنه كان بدوياً قال له: "تعال نؤمن ساعة". البدوي لم يفهم "تعالَ نؤمن ساعة"، يعني تعال نتعلم ساعة، تعال نذكر ساعة، تعال نتلو القرآن ونتدارسه لمدة ساعة. التعبير لم يصل إلى ذهن البدوي فغضب وقال: "أتأمرني أن أؤمن بغير الله؟" ورسوله ساعدي ماذا؟ لست أفهم، أنا ساعدي ماذا؟ وذهب يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال: "يا رسول الله، إن ابن رواحة يريدني أن أترك الإيمان بالله ورسوله وأن أؤمن بالساعة. ساعة ما؟ ما هذه الساعة؟ هذه لا أعرفها". فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "إن ابن يحب أن يجلس في المجالس التي تتباهى بها الملائكة. ابن رواحة في بدر لم يحضر بدر، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلفه بأن يكون على المدينة محافظ العاصمة، ولذلك فله أجر البدريين، ولكنه كان ممتثلاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه مواقف كثيرة رأينا فيها هذا. المعنى أن عثمان
ذهب رسولاً لقريش، ففي بيعة الرضوان وضع الرسول يده على يده الشريفة وقال: "وهذه عن عثمان". لم يحضر عثمان بعض المشاهد، وذلك لأنه كان يُعالج رقية، ثم يُعالج أم كلثوم، ولذلك غاب عن بعض المشاهد، ولكن بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. عبد الله بن أيضاً عيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملاً للواء في مؤتة وقال: "اللواء بيد زيد بن حارثة، فإن مات فجعفر، فإن مات فعبد الله بن رواحة، فإذا مات واستُشهد فالمسلمون يختارون منهم قائداً". وفعلاً استُشهد الثلاثة ومنهم عبد الله بن
رواحة رضي الله تعالى عنه، وفي هذا سُمي جعفر. بعد أن قُطعت يده اليمنى ثم اليسرى واستبدل الله بهما جناحين بجعفر الطيار لأنه سيكون له جناحان في الجنة بعد أن مات الثلاثة تولى خالد بن الوليد بعدهم. هذا عبد الله بن رواحة في ظرفه في علمه في تقواه في التزامه بكلام رسول الله وبأوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هيا بنا نستخلص هذه الحِكَم العالية لعل الله سبحانه وتعالى أن ينظر
إلينا بنظر الرحمة وأن يحقق لنا السعادة في الدنيا ثم في الآخرة. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.