#نوادر_الصحابة | الحلقة الثامنة والعشرون | الصحابي " صهيب الرومي "

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اليوم نعيش تلك اللحظات مع صهيب الرومي رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وصهيب كان من
قِبَل الروم وظل عند الروم مدة، لكنه جاء إلى مكة بعد ذلك في سبي له كان في قرية يُقال لها نينوى، ونينوى من أعمال الموصل، وهي من القرى التي استولى عليها تنظيم داعش الإرهابي، من هذه المنطقة التي على حدود الشام. أسر الروم سيدنا صهيباً، وبعد ذلك، بعدما عاش عندهم، جاء إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان. وعبد الله بن جدعان مات كافراً كان كريماً، وصهيب كانت فيه
لكنة الأجانب لأنه تربى على اللسان الفارسي أولاً ثم الرومي بعد ذلك وعاش. لم يتلق العربية في صغره من لغة الأم، لكنه في هذه المنطقة "مينوا" لم تكن فارسية محضة ولا من الرومي المحض، ولكن كانت عربية وكانت فيها قبائل عربية، ولذلك مرة قال له. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: فيك أمور غريبة يا صهيب، افتديت نفسك بالمال من العمل مع عبد الله بن جدعان وليس لك ولد، والذي يريد أن يحرر نفسه كان يريد ذلك حتى لا يقع ابنه في الرق،
وأنت جئت إلى العرب وأنت من أفهمهم. فهذا أمر غريب أن يحدث لك هذا وأنت تسرف في إطعام الطعام، أنت تسرف في الطعام. فقال له: أنا من العرب من قومي كذا، وقد أخذني الروم بعدما كبرت وعرفت نسبي، لكنني أُسرت فبعت كعبد في، أو باعوني كعبد في مكة، واشتراني عبد الله بن جدعان، أما أنني... أطعم الطعام، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يقول: "أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وقوموا بالليل والناس نيام، تدخلوا جنة ربكم بسلام". "ويطعمون الطعام على حبه"، أي مع حبنا للطعام، إلا أننا يجب أن نعطي هذا الطعام وأن نبذل الطعام. ولكن سيدنا عمر كان يرى صهيباً، يعني شديد. السرف في هذا، وهو كان يعده من مكارم الأخلاق ومن مظاهر الخلق الحسن. عبد الله بن جدعان جاءه صهيب وقال له: إني أريد أن أكاتبك. وأكاتبك معناها أعطيك ثمني. انظر كم ثمني في السوق، وانظر كم دفعت فيّ. سأعمل ليلاً ونهاراً وأدّخر المال وأعطيك إياه.
لكَ ثمناً. ولماذا؟ وكاتبه عبد الله بن جدعان. وفعلاً تحرر صهيب بعد ذلك واشتغل بالتجارة، وكان حسن الإدارة، ولذلك اغتنى وأصبح له مال وفير. كان صهيب يعرف النبي صلى الله عليه وسلم قبل الوحي، ومعرفته بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل الوحي جعلته يحب رسول الله، ومرَّ في دار الأرقم. ابن أبي الأرقم جاء هو ومعه عمار بن ياسر، وعمار أيضاً كان هو وأبوه وأمه من العبيد. ودخل فعرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلموا وخرجوا متخفين. صهيب
يشعر بأنه ما زال أجنبياً عن هذا البلد، وكذلك كان عبداً وإن أُعتق وحُرر إلا أنه في مستوى اجتماعي لا يرقى إلى أباطرة وشيوخ قريش، وانضم إليهم بعد ذلك بلال. كان بلال حبشياً وأسود اللون، لكنه كان حسن الصوت حتى أنه كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد ذلك موقف آخر لصهيب أنه في يوم الفتح كان يجلس ومعه عمار ومعه بلال، ثلاثة من العبيد السابقين لأنه... بلال أعتقه، اشتراه وأعتقه أبو بكر، وعمار
كذلك. حدثت حوادث فهم الآن أحرار ولكن من طبقة اجتماعية أدنى. فمرّ عليهم أبو سفيان، فلما مرّ أبو سفيان عليهم قالوا: "نار السيف لم يأخذ من عدو الله مأخذه وما ينبغي أن يكون". وكأنهم يشتمون أبا سفيان، فقال لهم أبو بكر: "أتقولون هذا؟" للشيخ قريش، يعني في هذه النقطة قليلاً خالفتم فيها الإتيكيت أو خالفتم فيها البروتوكول. هذا شيخ من شيوخ قريش تقولون له هذا الكلام، كلام ثقيل. فرأى في وجوههم كراهية. ما يقول انتبه
أن بلالاً كان أبو بكر هو الذي أعتقه، يعني يحبه وله منّة عليه، فذهب أبو بكر. سريعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يخبره ويشكو له أن هؤلاء الثلاثة تجاوزوا حدهم وتكلموا مع أبي سفيان بهذه القسوة أو القوة، فقال: "إياك وقد أغضبتهم، فإنهم إن غضبوا غضب الله عليك". يعني سيدنا النبي وقف مع هؤلاء الضعفاء لأنهم في أعلى عليين عند الله سبحانه وتعالى. حتى قال لعمار: "تقتلك الفئة الباغية"، فالحق مع عمار، وكان عمار مع سيدنا علي، والنبي عليه الصلاة
والسلام يقول: "الحق مع علي أينما دار". الحاصل أن صهيب الرومي الذي كانت فيه لكنة أراد أن يذهب إلى المدينة بعدما سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول إن مهجره في مكان فيه حرارة في صخور مثل هضبة المقطم وفيه نخل، وهذا لا يكون إلا في هَجَر في البحرين أو في المدينة في يثرب، فعرف أن النبي قد هاجر إلى يثرب، وأراد أن يخرج إلى يثرب، ولكن التف حولهم مشركون وقالوا: أتيتنا وأنت عبد اشتراك ابن مدعان، والآن أنت من أغنياءُ مكةَ: لا نتركُكَ تخرجُ بهذا المالِ. فاحتالَ
عليهم وجلسَ يسيرُ في الليلِ، فقالوا: قد كفانا اللهُ شرَّ صُهيبٍ حيثُ أنه قد شغلَهُ ببطنِهِ. ظنُّوا أنه يُعاني - أكرمكمُ اللهُ - من الإسهالِ أو نحوِهِ، وأنه يتحرَّكُ هكذا حتى غافلَهُم وانصرفَ من مكةَ. ثم إنهم أدركوهُ على بُعدِ ستةَ عشرَ وكان راميًا فجاء بسهامه وقوسه وقال لهم: "أتدرون أني أرماكم؟ أنا أكثر واحد رميًا ودقة في التصويب. سأقتلكم ثم أجادلكم بالسيف. أترضون هذا أم أنني أدلكم على مالي فتأخذونه؟" قالوا: "بل نأخذ مالك
ونحن، واذهب أنت إلى أي مكان." فقال: "حسنًا، هو تحت الباب الفلاني في المكان." الفلاني وذهبوا ووجدوه وأخذوه وذهب النبي صلى الله عليه وذهب صهيب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة فأول ما رآه النبي قال: "ربح البيع ربح صهيب، ربح البيع ربح صهيب"، فقال: "والله ما أنبأك إلا جبريل". حسناً، لم يخبر أحد بهذه الحكاية في الطريق وأنا عيني تؤلمني. كان النبي عليه الصلاة والسلام جائعًا، وأمامه تمر المدينة، فأخذ صهيب يأكل بشراهة أو بقوة أو بسرعة لأنه جائع. فقال عمر:
"أرأيت يا رسول الله صهيبًا يأكل التمر وهو أرمد (أي عينه وجعاه ويأكل التمر كله؟" فقال رسول الله: "أراك يا صهيب تأكل التمر وأنت أرمد"، فقال: "نعم آكله". بعيني الصحيحة، ما علاقة الرمد بأكل التمر؟ ليس هناك علاقة، فكان عمر يمزح، وكان النبي يمزح، وكان صهيب يرد عليهم أيضًا بمزحة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم. هكذا كانوا يحبون بعضهم بعضًا، وكانوا يتعاملون بسهولة ويسر وليس بتعقيدات، وكانوا يتعاملون بعزة، وكانوا يرون الدنيا في أيديهم وليس في قلوبهم
وكانوا يبذلون كل غالٍ ورخيص في سبيل القضية. كل ما جمعه صهيب من مكة تركه له وسار مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. رضي الله عن الصحابة الكرام ونفعنا الله بهم في الدارين. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.