#نوادر_الصحابة | الحلقة الرابعة | الصحابي " أبو دجانة الأنصاري "

#نوادر_الصحابة | الحلقة الرابعة | الصحابي " أبو دجانة الأنصاري " - شخصيات إسلامية, نوادر الصحابة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مع صحابي جليل آخر من الأنصار، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ. هذا الصحابي الجليل هو أبو دجانة الأنصاري. وأبو
دجانة كان اسمه سماك وكان بطلٌ من أبطال الحروب مع رقة في القلب وتواضع في النفس، كان شجاعاً لكنه لم يكن متكبراً، بل كان متواضعاً لله. والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن من تواضع لله رفعه وأعلى ذكره في الناس، وهكذا كان أبو دجانة رحمه الله تعالى ورضي عنه، حتى أننا نذكره الآن. ونذكر نواجره وأحواله لنستفيد منها الهمة العالية التي افتقدناها كثيراً في
عصرنا الحاضر، الهمة التي سنحتاج إليها أيضاً كثيراً في مستقبل أيامنا، في العمل الدؤوب الذي لا نمل فيه من الجهد والجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى. أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري دخل الإسلام وجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أُحد قام النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه سيف فقال: "من يأخذ هذا السيف؟" فمدَّ الصحابة تقريباً كل الحاضرين أيديهم وقالوا: "أنا يا رسول
الله، أنا، أنا". قال صلى الله عليه وسلم: "من يأخذ هذا السيف بحقه؟" كلمة زائدة ولكنها قد تكون غامضة على السامعين فكفُّوا. أيديهم جميعاً خافوا من كلمةٍ بحقه، فما حق هذا؟ هل لا بد أن أنوي أن أستشهد في سبيل الله؟ هل لا بد من أن أقاتل به حتى ينكسر في يدي؟ ما حق هذا السيف؟ لا نعرف إلا أن أبا دجانة المحب لله ورسوله قال: أنا يا رسول الله، فأخذه. وعندما استلمه من رسول الله وقد عاهده على أن يأخذه بحقه، ولا نعرف إلى الآن ما حقه،
فلما استلمه بدأ في السؤال قائلاً: يا رسول الله وما حقه حتى ألتزم به، ولكن متوكلاً على الله واثقاً بالله وبرسوله، فإنه أخذه قبل أن يعرف ما هذا الحق. قال: حقه ألا تقاتل. به إلا مشركًا وإلا تقتل به مسلمًا فقال: رضيت يا رسول الله. أمثال هذه الأحاديث والمواقف التي مرت على الجهلة من الخوارج وممن يفسدون في الأرض بدعوة أنهم يجاهدون في سبيل الله الآن، فضلّوا وأضلّوا وملؤوا الأرض ضجيجًا وفسادًا ودمًا. لو
أنهم تأملوا مثل هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الفتنة، نهى أن يقتل المسلم أخاه. لو تدبروا حقًا ما فعلوه وما يفعلونه الآن، ولو تدبروا حق السيف الذي قاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين المعتدين الذين جاؤوا لقتاله وقتله، ما فعلوا هذا. ومن حق هذا السيف ألا يُقتَل به مسلم مهما كان، الله عليه وسلم أبى أن يقتل المنافقين بالرغم من أن الله قد أباح له هذا وقال: "لا يُقال إن محمداً يقتل أخذه أخذ أبو دجانة وحافظ على هذا الحق وعلى هذا الوعد،
ولما جاء في أُحُد قاتل في سبيل الله وكان النصر أولاً للمسلمين، وبذل أبو دجانة جهداً كبيراً ضخماً قتال المشركين بهذا السيف المبارك الذي أخذه هدية من رسول الله على عهد ووعد أن يقاتل به في سبيل الله المعتدين المشركين الذين جاءوا المدينة من أجل القضاء على رسول الله وعلى دعوته وألا يقتل به مسلماً. كان أبو دجانة إذا خرج إلى قتال أو حرب تعصب بعصابة حمراء يُعرف أصحابه منها أنه مصمم على الموت فإما الشهادة وإما النصر، وكان
مقاتلاً بارعاً ونزل أُحداً، وكان سبباً من أسباب نصرة المسلمين في أول الأمر. فلما التف خالد - وكان حينئذٍ لم يُسلم - على التلة وقتل مَن عليها ممن أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبات فلم يثبتوا، عفا الله عنهم وانقلبت موازين القوة ووقع النبي صلى الله عليه وسلم في حفرة، فحماه طلحة، وهو زوج أم سليم. بل إن أم سليم نفسها كانت تحمل خنجراً وكانت تدافع به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي ظهر رسول الله وبظهره حمى أبو دجانة رسول الله، فكان يُضرب بالسهام والذي...
حَفَرَ هذه الحُفرة لرسول الله هو ابنُ القمئة الذي قتل مصعب بن عمير ظاناً أنه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبا دجانة حمى رسول الله بجسمه فأُصيب بعدة أسهم، قالوا حتى صار شكله كالقنفذ - الحيوان الذي له شوك وإذا شعر بأعداء أو نحو ذلك أخرج شوكه دجانة من كثرة الأسهم التي كانت مرشوقة في ظهره وهو يحمي بظهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذود عنه بسيفه ممن حوله، فإنه كان مقاتلاً في غاية العلو من درجات
الفناء والتدريب. وبالرغم من ذلك، بعد المعركة كانوا يتحدثون ورسول الله جالس بأن فلاناً فعل وفلاناً صنع وينظر إلى... أبو دجانة وأبو طلحة لا يتكلمان وهما اللذان قد حملا العبء الكثير. التواضع هو فعل هذا لوجه الله، لا يريد منا جزاءً ولا شكوراً. هو فعله لله العالم بما فعل. فالنبي لما رأى سكوتهما قال: "لقد رأيت جبريل أمامي وطلحة عن يميني، ولم يكن سيف أبي دجانة بذميم"، يعني هؤلاء. الذين كانوا حولي يدافعون عني دفاعاً
شديداً جبريل من الملائكة وطلحة وأبو دجانة من الأنصار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. لكن نأخذ من هنا معنى التواضع وأن التواضع مع العمل وعدم الدعوة وأنه لم ينسب لنفسه حتى ما فعل. عاش أبو دجانة رضي الله تعالى عنه وكان كما قلت يعصب. رأسه بالعصابة الحمراء ويمشي بالخيل متبخترًا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذه مشية يكرهها الله إلا في هذا الموضع"، في موضع القتال. نعم، هو يعلم قلب أبي دجانة وأنه لم يقصد بها التكبر، وإنما قصد بها العزة، وهناك فرق بين هذه المعاني الدقيقة. العزة
لله ولرسوله ولكن. التكبر. لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. عاش أبو دجانة رضي الله تعالى عنه وذهب يقاتل مسيلمة، والذي قتل مسيلمة بحربته هو وحشي بن حرب الذي قتل حمزة في يوم أحد، لكن أبو دجانة اشترك في هذا القتال وهو الذي هجم على حديقة. مسيلمة وهو الذي تسور السور لكنه عندما جاء ينزل منها كُسرت رجله، فكان يقاتل ورجله مكسورة. إذاً هذا رجل ذو همة عالية، هذه الهمة التي تجعل الإنسان يقاتل ورجله مكسورة هي التي نحتاجها
اليوم في البناء وفي العمل. لكن هذه همة عالية يُحسد عليها ويُغبط بها، ولذلك كان مثالاً يُحتذى يوم الدين عاش حميداً ومات شهيداً على الأغلب في اليمامة في قتال مسيلمة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.