#نوادر_الصحابة | الحلقة السابعة عشر | الصحابي " حارثة بن سراقة "

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ. الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومَن والاهُ. السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ. معَ نوادرِ الصحابةِ الكرامِ نعيشُ هذهِ اللحظاتِ، عسى أن نتعلمَ منها شيئًا منْ عُلُوِّ الهِمَّةِ، شيئًا منَ الصدقِ معَ اللهِ ومعَ رسولهِ ومعَ
النفسِ، شيئًا منْ تَعَلُّقِ القلبِ باللهِ. فإن من تعلق قلبه بالله كفاه، ودائماً نقول: حسبنا الله، كفايتنا الله، ونعم الوكيل. يعني أننا نستعين بالله كما أننا نعبد الله: "إياك نعبد وإياك نستعين". اليوم مع حارثة بن صراقة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمه تسمى بأم الربيع بنت البراء، أم حارثة، وكانت شديدة الحب له، وأم
الربيع. هي عمة أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحارثة بن سراقة إذاً يكون ابن عم أنس، لكنه كان أسنّ من أنس، أكبر من أنس رضي الله تعالى عنه. كان بطلاً مغواراً، وأول من ركب الفرس في بدر، وشهد بدراً ومات شهيداً في... بدر لأنه متدرب على الخيل تدربًا جيدًا جعلوه على حماية الحوض. فيه ماء بئر فيه ماء، وكانت
المشورة أن يجعلوا البئر وراءهم حتى يحرموا المشركين من الوصول إلى الماء فتكون هناك أزمة. فكان حارثة بن صراق رضي الله تعالى عنه قد عُيِّن على حراسة هذا البئر وكان يشرب من. هذا البئر فنظره شخص من بعيد فأصابه بسهم فدخل في نحره فمات شهيداً، وهو ثاني قتيل أو شهيد في بدر من المسلمين. الأول كان اسمه مُهجع مولى عمر بن الخطاب، عبد لعمر بن الخطاب، هذا أول قتيل، والثاني قتيل حارثة بن سُراقة رضي الله تعالى عنه.
كانت أم الربيع أمه. تقول: "يا رسول الله، طمئنني، أخبرني، أهو حارثة في الجنة فأتسلى عن حزني وفراقه؟ أم أنه في النار فأبكيه؟". ما هذا يا أم الربيع! ألا تعرفين أن الشهداء في الجنة؟ إنهم كانوا لا يتألون على الله، وهم يريدون أن يقدموا لله أحسن ما عندهم، يحبون الله، لا يعبدون الله من ومن أجل البعد عن العقاب خوفاً ورهبةً أو طمعاً ورغبةً، ولكنهم يعبدون الله لأنهم يحبونه ويريدون
أن يرضى عنهم. أدخلهم الجنة أو أدخلهم النار، هذه قضية ثانية. أهو في الجنة فأتسلى، أو هو في النار فأبكيه، مات بالفعل من حياتي. فقال: يا أم الربيع، هي ليست بجنة واحدة بل جنان جنة واحدة؟ هذه جنات بعضها فوق بعض: جنة المأوى وجنة عدن وجنة كذا، وأن حارثة منها في الفردوس الأعلى. الفردوس الأعلى هذا هو جنة سيدنا رسول الله، يعني حارثة سيكون من جيران سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة لأنه في مكان رفيع -
فردوس الفردوس الأعلى. وكان الله صلى الله عليه وسلم يسأل لنفسه الفردوس الأعلى ونحن نقول: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمدًا الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته"، وندخله الفردوس. ما الذي وعده ربنا؟ قال: "الفردوس الأعلى". حارثة لأنه كان صادقًا مع نفسه يكون في الفردوس الأعلى. فتضحك أم الربيع بالرغم من حزنها على ابنها، لكنها لما عرفت مكانته في الجنة فرحت له، وهكذا شأن الأمة، فضحكت وقالت: "بخٍ بخٍ يا حارثة، والله نلتها يا حارثة، نلت
هذا الفضل الكبير". مرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمشي في المدينة وجد حارثة قادماً هكذا فقال: قال له: "يا حارثة، كيف أصبحت؟"، فقال: "أصبحت مؤمناً حقاً"، فقال: "يا حارثة، انظر ماذا تقول، إن لكل قول حقيقة، أنت وصلت إلى أن تكون مؤمناً حقاً وأنت متأكد هكذا، فما حقيقة قولك؟"، فقال: "يا رسول الله، عزفت عن الدنيا، لم أعد أحبها،
وكأن الدنيا أصبحت في يدي". لا في قلبه عزفتُ عن الدنيا فأظمأتُ نهاري، صام بالنهار وأقامت ليلي، وفي رواية أسهدت ليلي، يعني قام بالليل يصلي. خلاص قلبه تعلق بالله فما له دعوة بالدنيا، فراح صائماً النهار وقائماً الليل حتى رأيت أهل الجنة في الجنة وأهل النار يتعاونون في النار. سمع حديث أهل الجنة كانوا يتكلمون. من اليقين وسمع البكاء والعويل
الذي لأهل النار ورأى عرش ربه بارزًا، إذًا عبادة متتالية مخلصة شفافة دائمة. أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ولو كره المشركون. ففي النهاية رأى العرش بارزًا ورأى الجنة وسمع. أهلها ورأى النار وسمع آله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة التي انتشرت بعد ذلك: "عرفت فالزم"، وهذه الكلمة صارت كأنها مثل. إذا حدّثك أحدهم بحقيقة ما في موقف ما فتقول
له: "ها قد عرفت الحقيقة فتمسك بها واحذر أن تتركها"، يقول لك: "لم أكن" أفهم ذلك. إنني كذا وكذا. قم وقل له: عرفت، فالزم. لابد أن ما عرفته من الحق يجعلك عبداً. يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم على حارثة بعدما قال له: عرفت، فالزم. عبدٌ نوّر الله قلبه بالإيمان. إذاً، فهناك نور كان في قلب حارثة، ونحن نتمنى ونطمع ونرجو من الله هذا النور، هذا النور الذي يكشف لنا وتنكشف به الحقائق، هذا النور الذي يطمئن القلب، ألا بذكر الله تطمئن القلوب. هذا النور
الذي يزيل الغم والهم، هذا النور الذي يدفع القلب إلى التعلق بالنور جل جلاله، النور الأصلي أو النور الأعظم أو النور التام، وهو الله سبحانه وتعالى، فمن أسمائه. نور إذا هذا النور الذي يقذفه الله سبحانه وتعالى في القلب هو النور الذي كان في قلب حارثة. دعاؤنا أن ينزل الله سبحانه وتعالى هذا النور في قلوبنا كرامة لسيدنا حارثة بن صراقة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. نتخطى بهذا النور أزماتنا ومشكلاتنا، وينير الله لنا الطريق
ويسددنا. ختاماً، ويجعل كل فعل نفعله إنما يكون من أجل خدمة الناس وعمارة الدنيا وتزكية النفس من خلال عبادة الله. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.