#نوادر_الصحابة | الحلقة الواحدة والعشرون | الصحابي " نعيمان بن عمرو "

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ومع صحابي آخر وجديد نعيش هذه المواقف التي تفرح القلوب والتي تزيل الهم والغم وتبين لنا أن الدين
منهج حياة وأن الدين هو جزء من هذه الحياة الدنيا وأن الله سبحانه وتعالى أراده لنا حتى نحيا ولم يكن أبداً ضد الحياة ولا مناقضاً للحياة. مع نعيمان بن عمرو رضي الله تعالى عنه وأبقاه. كان نعيمان كثير المزاح، يضحك كثيراً ويُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا صح التعبير بألفاظنا في عصرنا فإنه كثيراً ما كان يقوم بمقالب مضحكة. منها الصحابة
أو يرد بعضهم عليها أو يعيش فيها، وكان نعيمان رضي الله تعالى عنه إنساناً جمع بين المتناقضات؛ تراه بطلاً من أبطال أُحد، من أبطال الخندق، وفي نفس الوقت كان نعيمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه ضعيفاً، وكان يبدو أنه كان مدمناً للخمر، فلما حرم الله سبحانه وتعالى الخمرُ امتنعَ عنها ثم عاد إليها، وبعد أن يقع في هذه الخطيئة
بسبب غلبة نفسه أو من دعوة وضغط الإدمان عليه، فإنه يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يستغفر له وأن يقيم عليه حد شارب الخمر. هذا البطل المغوار في الحروب، هذا المحب لله ورسوله. هذا الإنسان الذي كان قد أفرح الله قلبه ابتُلي بمسألة أخرى من المعاصي، ولكن كلُّ بني آدم خطّاء، وخيرُ الخطّائين التوابون. فكان نعيمان يذهب ليتوب، فالنبي صلى الله عليه وسلم يأمر بعض أصحابه بأن يقوم فيقيم
على نعيمان الحد، والحد هو أن يُضرب أربعين جلدة، أربعين ضربة. هذه الضربة قد... تكون بالحذاء أو بالنعل أو بعصا أو بحبل أو بطرف الثوب، كانوا يطوون الثوب هكذا ويضربون به، وهكذا بأي شيء، المهم أنه يصطدم أربعين مرة، هكذا إيذاناً بأن شرب الخمر يعني كبيرة من الكبائر وهي أم الخبائث، وأن الله أمرنا بالحفاظ على العقل وبالابتعاد عن هذا الشيء، كما أنها تعني تُسبب الإدمانَ فلا يستطيع الإنسان
أن يكون حراً في إرادته ولا حراً في تصرفاته. مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه والنبي صلى الله عليه وسلم وهو يُدرِّب صحابته على ترك الخمر والانتقال من وقت الجواز، إذ كانت جائزة يكرهها الدين لكنها بالرغم من ذلك كانت لم تُحرَّم إلى زمن التحريم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من شرب الخمر فاجلدوه أربعين، فإذا شرب فاجلدوه، فإذا شرب فاجلدوه، فإذا شرب الرابعة فاقتلوه"،
وهي نظرية التدرج في العقوبة. لكنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل أحداً قط، وإنما قال هذا من أجل التنفير من الخمر الذي كان الناس تعودوا عليها في الجاهلية ووصلت ببعضهم إلى الإدمان، فيريد أن يهز مشاعرهم وأن يفيقوا من هذا الوباء والبلاء الذي يسمى بإدمان المسكرات. لم يفهم هذا سيدنا عمر لأنه نص صريح، وهذا الحديث موجود لكن لم يعمل به أحد من الأئمة على مر العصور. كل الأئمة المجتهدين لا يقولون
بهذا ومن... يقولون بالنسخ، يقولون أنه نسخ يعني تغير، أو كان حكماً في أول الأمر ثم ذهب. فلما رأى عمر نعيمان يأتي المرة ثم المرة ثم المرة ثم المرة، قال: "يا رسول الله، اتركني أقتل هذا المنافق، إنه غير قادر على ضبط نفسه. ألم نكن جميعنا نشرب الخمر واستطعنا أن نُقلع عنه؟" تقول هذا أنه يحب الله ورسوله مرة ثانية. أيضاً جاء نعيمان سكران يا رسول الله، أو بمعنى أنه شرب من البارحة وأخطأ، فأقم عليه الحد وهو منكسر النفس وهو يريد أن يتطهر ويحب الله ويحب رسوله.
دعني أقتل هذا المنافق يا رسول الله، فقال أحد الجالسين وكأنه يشير إلى سيدنا الأمر ليس مجرد عقوبة، إنما هو مسألة تتعلق بالتربية، وهذا معنى يجب علينا أن نعيش فيه، أن الشريعة جاءت لنا بالتربية وليست بمجرد العقوبة. كثير من الناس عندما يطالبون بتطبيق الشريعة يختزلون ذلك في العقوبة، وكأنهم قد أُرسلوا لعقاب الناس، فيقول أحدهم وهو جالس: "وماذا تفعل ببدر؟ لقد شهد". بدراً، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: من
شهد بدراً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لأنها هي التي حمت الإسلام وجعلته يصل إلى العالمين، فهي المفتاح وهي نقطة البداية. فماذا تفعل في بدر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، ماذا تفعل في بدر؟ وكان نعيمان قد قاتل في بدر قتالاً شديداً ويعلم ذلك عمر، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ينبه على حب نعيمان الشديد. وكان نعيمان مزّاحاً، فمرة ذهب إلى البقال وقال له: "ائتني بكذا وكذا وكذا"، فالرجل حضّر له الطلب وقال: "هذا لرسول الله"،
فأخذها وذهب بها، يعني مثلما نفعل. جبنة وحلاوة وخبز وزيتون وغير ذلك إلى آخره، وذهب بها إلى رسول الله ووضعها بين يديه وأصحابه وهم في الدرس، وقال: "هذه يا رسول الله من البقال الفلاني". ظن الرسول أنها هدية، والبقال ظن أن رسول الله قد طلب الطلب فأعطاه لنعيمان حتى يوصله إلى سيدنا وإلى أصحابه. أكل الصحابة وسيدنا معهم وأنهوا الأمر، وإذا بالبقال يأتي قائلًا: "الأشياء التي بعتها بثلاثة دراهم". ونعيمان يقف خلف عمود من أعمدة المسجد يضحك لأنه صنع هذه المزحة
مع السيد صلى الله عليه وسلم وصحابته، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ويضحك. انظر إلى تلك العلاقة، إنها علاقة حب وعلاقة ود. وعلاقة عشرة نعيمان: كان هناك شخص من البادية جاء ومعه ناقة، وربط الناقة على باب المسجد ودخل ليرى سيدنا ويتحدث معه صلى الله عليه وسلم. فإذا بنعيمان يأتي إلى الناقة ويأخذها ويذبحها ويوزعها على الفقراء. خرج الرجل فلم يجد ناقته، فقال: "الله! ناقتي اختفت!" قالوا له: "أخذها نعيمان".
نعيمان، من هو نعيمان بن عمرو؟ فدخل واشتكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم. سأل رسول الله نعيمان: "ماذا فعلت فيها؟"، هذا الولد المشاغب الذي يعني... فقالوا له: "ذبحها ووزعها على فقراء المدينة". فدفع له النبي صلى الله عليه وسلم ثمناً، لهذه الناقة. وهكذا كانت طرائف نعيمان ومزاحه كثيرة. منها أنه خرج مع أبي بكر للتجارة في الشام ومعه أحدهم وكان اسمه صويبت. كان صويبت هذا مسؤولاً عن الطعام، فقال له: "أطعمني يا صويبت". فأجاب:
"عندما يأتي أبو بكر". فقال له: "حسناً، أنت لا ترضى أن تطعمني". فذهب إلى أناس في السوق وقال: "لدي عبد لكن عنده خصلة". إنكم إذا أمسكتموه يقول "أنا حر، أنا لست عبداً"، فتشترونه بالعبدة. قالوا: "نشتريه بكم؟" "باثنين من الجمل". فأعطوه الجمال وأمسكوا صويبت وهو يصرخ: "أنا حر، أنا لست عبداً". فقالوا له: "نحن نعرف هذه العبارة". حتى جاء أبو بكر وخلصوه منه ورد إليه الجمال. هذه الحياة كانت حياة الحب. والأخوة والعشرة، ولم تكن أبداً حياة النكد والهم والغم. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.