طريقنا إلى الله | ح25 | أحمد الدردير ج2 | أ.د. علي جمعة

إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم طريقنا إلى الله طريقنا إلى الله مع فضيلة الدكتور علي جمعة الإعداد والتقديم أحمد بشتو إخراج هيام فاروق مرحباً بكرام أهلاً بحضراتكم في هذه الحلقة الجديدة مع ضيفنا الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الدكتور سيد أحمد الدردير وحكايته وتأثيره في الحركة الصوفية في فترة من التاريخ المصري كانت ربما حساسة جداً، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد
لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كانت هذه الفترة فترة مملوكية، وكان المماليك بالرغم من أنها كانت تحت الولاية العثمانية يعيثون في الأرض فساداً، وكان السلطان حينئذ هو علي بيك الكبير والشيخ الدردير وصل إلى مرتبة الفتاح للكبار التي هي الدرجة العليا في الفقه وفي العقيدة. أدرك الشيخ أحمد الصباغ والشيخ الملاوي والشيخ الحفني، وتتلمذ على يد الشيخ الحفني كثيراً في طريق القوم على المذهب أو على الطريقة الخلوتية. وأيضاً تلاميذ
الدردير كانوا شيئاً عظيماً جداً، فمن تلاميذه الشيخ الدسوقي صاحب الحاشية. العقباوي والشيخ الصاوي والشيخ السباعي، كل هؤلاء من أصحاب المؤلفات الضخمة التي أحيَت الأزهر في القرن التاسع عشر منذ بداياته، فهم شيوخ وتلامذتهم من الكبار العظماء. وعندما توفي الشيخ علي الصعيدي رحمه الله تعالى، وكان إماماً وشيخ المالكية، تولى الشيخ أحمد الدردير مكانه، ومعروف دائماً أنه الشيخ الصعيدي سيأتي. بعدي مباشرة الشيخ أحمد الدردير لأنه كان أعلى تلميذ من تلاميذه. الشيخ أحمد الدردير كان لدينا كتاب في المذهب المالكي اسمه "مختصر خليل" شرحه بشرحين: شرح صغير وشرح كبير.
الشرح الصغير للتدريس للطلبة، والشرح الكبير من أجل أن يكون مرجعًا يرجع إليه الكبار والمفتون من أجل حصر المسائل على المذهب. المالكي كان الشيخ يعني مرجع أهل مصر، مسجد الدردير موجود إلى الآن خلف الأصفر، في الشارع الخاص بالمسجد تجد على يسارك بيت الدردير. كان الشيخ الدردير يمثل السلطات الثلاث قبل وجود فكرة الدولة الحديثة وفصل السلطات، السلطات الثلاث التي هي السلطة التشريعية والتنفيذية والسلطة القضائية، لكنه كان هو الثلاثة. طبعاً
هذه تحتاج إلى تقوى غير عادية حتى نصل إلى العدالة، لأنه يوجد خوف من الهوى، ولذلك كانت نظرة الدولة الحديثة أنه لا بد أن نفصل بين السلطات الثلاث، وذلك لأنه لا يوجد شخص متجرد تماماً. التجرد يعني أنهم لم يروا الشيخ الدردير النسخة الثانية، فمن مثله؟ الدردير حتى لو أن الشيخ الدردير كان متجرداً، طيب أنا سأجد مَن بعده من أين؟ وهل سيكون متجرداً هكذا إذا لم يترك المفكرون في قيام الدولة الحديثة هذه المسألة؟ ليس قدحاً في أولئك الأكابر وإنما لعدم وجودهم ونظرتهم. ونحن في الدولة نحتاج إلى رجال كثيرين في التشريع. في القضاء وفي
التنفيذ، كان الشيخ الدردير قاضياً يحكم وهو من يُنفِّذ أحكام الإعدام. وكانت هناك مشنقة في بيته، وظلت هذه المشنقة التي رأينا آثارها موجودة إلى أن يُحتَمل أن هيئة الآثار أزالتها أو ما شابه ذلك. لقد شاهدنا، يعني أنا منذ حوالي خمسين سنة مضت، رأيت أطلال مسجد بيت. الشيخ الدردير وجد أن المماليك طغوا وبغوا، فذهب إليه الناس وقالوا له: "الحقنا يا مولانا، المماليك يأخذون بضاعتنا ويصدِّرون الأشياء ويأخذونها إلى بيوتهم، سواءً كان طعاماً أو شراباً
أو ملابس أو أدوية أو أي شيء، ونحن تعبنا هكذا، وكلما صنعنا شيئاً يُفلسوننا، أي نبدأ من الصفر"، فذهب. توجه إلى علي بيك الكبير وقال له: "يا علي بيك الكبير، هناك مظلمة للشعب أوصلها إليك لكي تحلها وتفكها". فأصبح علي يضجر من الكلام قائلاً: "أأنت ستشغلني بشخص سرق شيئاً أو جندي وضع يده على شيء؟ هذا غير مناسب عندي"، فأخذ عوداً في يده وجلس يخطط به. الأرض، يعني إلى أن ينتهي الشيخ من كلامه. فقال له الشيخ: "انشغل عني، لعنة الله عليك وعلى من أتى بك من النخاسين. ألا تعلم
أنني قاضي البلاد؟ أحكم عليك بالإعدام لأنك تضر الشعب وتؤذيه". وهذا علي بيك الكبير بجبروته وسلطانه، بجبروته وسلطانه، خَرَّ يُقَبِّل قدمي الشيخ. شاء الله إذا الشخص الذي هو ليس خائفاً من أحد وهو يقول شيئاً يجب على الشعب أن يدافع عنه أمام علي بك الكبير وأمام علي بك الصغير، سندافع سندافع، وأنت لا تعرف أنني أنا القاضي وأيضاً أنا الشرطة التي ستنفذ عليك الحكم. لماذا نزل علي بك الكبير هكذا؟ لأنه متأكد. لو أن هذا الشيخ صرخ في الحرس لانقلبوا جميعاً ضد علي بيك الكبير، هكذا كان
هؤلاء الناس في وجدان الخلق، لكنهم كانوا كذلك بأن جعلوا الدنيا في أيديهم وليست في قلوبهم، بالتجرد الثاني، بالإخلاص الثاني. فهؤلاء الناس كانوا من الأكار، نصل إذاً لخطاب هذه الحلقة، وفي الحلقة المقبلة إن... شاء الله أن يتجدد اللقاء، كنتم مع "طريقنا إلى الله"، مع تحيات أحمد بشتو وهيان فاروق. سأعود هنا.