طريقنا إلى الله | ح29 | محمد أمين البغدادي | أ.د. علي جمعة

إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم "طريقنا إلى الله"، "طريقنا إلى الله" مع فضيلة الدكتور علي جمعة، الإعداد والتقديم أحمد بشتو، إخراج هيام فاروق. أهلاً بحضراتكم في هذه الحلقة الجديدة مع ضيفنا فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف. فضيلة الدكتور، لماذا يقال عن أهل... التصوف أنهم أهل بدع تقديس للأئمة والأشخاص والأماكن ربما أحياناً. بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. التقديس هو الاحترام، ورأينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو أولاً يقدس. قدس الكعبة، قدس الحجر الأسود، قال لعمر: ألا ههنا تسكب العبرات يا. يا عمر، كان يُقبِّل الحجر الأسود كلما طاف به، ويشير إلى الركن اليماني. عندما حلق رأسه الشريفة وزَّع شعره على أصحابه ليتبركوا به. كان الصحابة يترصدون عرق النبي صلى الله عليه وسلم حتى يضعوه في عطورهم، لأنه كان
فوَّاحاً عطراً يفوح منه المسك. وفي ليلة الإسراء والمعراج مرَّ سيدنا. مع جبريل على البراق على الطور، قال جبريل: "يا محمد، أتدري ما هذا؟ هذا الطور الذي كلم الله فيه موسى"، فنزل فصلى فيه ركعتين على جبل الطور. على جبل الطور، وصححه ابن حجر العسقلاني. إذاً سيدنا يتبرك بالمكان الذي كلم الله فيه موسى، ويتبرك الصحابة الكرام أمامه بشعره. الشريف ويتبرك به وبعرقه وبكل مكان، والحقيقة أن
هؤلاء الناس يثيرون عندي أنا شخصياً الضحك والاستغراب. الاستغراب يعني أمرنا بهذا، قال الذين غلبوا على أمرهم: "لنتخذن عليهم مسجداً"، لأنه ليس "لنتخذن عليهم" يعني ندفنهم أو نفعل، لا، هؤلاء عظموا شأنهم وتبركوا بهم، ويقاس على هذا كثير جداً من... الأدلة على تبرك الصحابة الكرام بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وتبرك المسلمين بتلك الآثار إلى يومنا هذا، وعدم الالتفات إلى هذا الانحراف الفكري والوجداني والشعوري: المنافق عبد الله بن
أبي ابن سلول لما حضرته الوفاة أرسل إلى النبي: "ابعث لي بردتك (عباءتك) حتى أُدفن مكفناً فيها"، فأرسلها إليه النبي. معي ابن أيوب فتبرك بها المنافق يتبرك، وهؤلاء لا يريدون المسلمين أن يتبركوا، هذا أمر عجيب غريب. حلقة اليوم نتحدث فيها عن عالِم كبير ربما وضع بصمة كبيرة في علوم الصوفية في مصر وفي العالم، السيد محمد أمين البغدادي. السيد محمد أمين البغدادي هو محمد بن حسن بن عمر نور. كان الدين كردياً ونقشبندياً، وقد أخذ نحو ست طرق منها الأكبرية والبشطية والنقشبندية وغيرها. وُلِدَ
في السليمانية بشمال العراق في عام ألف ومائتين وستة وثمانين (١٢٨٦)، أي أنه ما زال متبقياً لنا على بداية القرن حوالي أربعة عشر عاماً، ثم جاء بعد ذلك عام ألف وثلاثمائة، وكان عام ألف وتسعمائة. مساوية لألف وثلاثمائة وسبعة عشر، يعني في عام ألف وتسعمائة كان عمره واحداً وثلاثين سنة. توفي في سنة ألف وتسعمائة وأربعين، ودخل مصر سنة ألف وتسعمائة وأربعة عشر، أي أنه مكث في مصر ستة وعشرين عاماً. عندما توفي عام ألف وتسعمائة وأربعين، كان قد بلغ من العمر
واحداً. وسبعين سنة، وعندما دُفِن، دُفِن في المكان الذي أصبح الآن طريق الأوتوستراد. كانت المنطقة كلها مقابر تُسمى مقابر المماليك القديمة. ثم عندما تم فتح طريق الأوتوستراد سنة ستة وستين، كان قد مكث في قبره هناك ستة وعشرين سنة أخرى، فنُقِل إلى مسجد الظاهر بيبرس الجاشنكير بعد مسجد سيدنا الحسين في الجمالية أمام حمام الجمالية. سيدنا الشيخ محمد أمين البغدادي كان قد تربى على التقوى منذ صغره وهو يذكر أنه مرة كانت أمه تلبسه حزاماً من ذهب وهو طفل
صغير عمره سبع أو ثماني سنوات، فدخل على شيخ من مشايخ التصوف الكبار فقال له: "ليس هذا لك يا محمد"، وكان اسمه محمد أمين البغدادي. بن حسن فقال له: "ليس هذا لك يا محمد، أنت رجل والذهب لا يصلح للرجال". طبعاً هو طفل صغير ويجوز شرعاً أن يلبس الذهب، لكنه يريد أن يربي فيه هذه المسألة، فخلعه وذهب وسلّمه لأمه. قال له: "لسنا محتاجين للذهب يا سيدي"، وكان يعني أنه طفل عنده... سبع أو ثمان سنوات يقوم بهذا، وهذا يدل على شيء من الصفاء والوفاء الذي كان يكتنف
هذا. ذهب إلى سيدي عمر، وهو شيخه الذي رباه في السليمانية. سيدي عمر ابن عثمان طويلة تلميذ خالد ذي الجناحين النقشبندي، فإذا محمد أمين البغدادي تربى في الخانقاه أو الخلوة التي بناها. عمر ابن عثمان طويلة ظل مع سيدي عمر يأخذ منه العلم وهكذا إلى أن مات. فلما مات طلب من سيدي محمد نجل ابن عمر والذي تولى مسؤولية الخانقاه أن يذهب إلى المدينة المنورة، فذهب ثم جاء إلى مصر. كان هناك شيخ عظيم من مشايخ النقشبندية قد
ورد إلى مصر قبل ذلك. اسمه محمد أمين الكردي، هذا محمد أمين البغدادي وهذا محمد أمين الكردي. توفي سنة أربعة عشر، وجاء الشيخ محمد أمين البغدادي سنة أربعة عشر، يعني هذا توفي في أول السنة وهذا أتى في وسط السنة أو آخر السنة. عندما دخل الشيخ محمد أمين البغدادي انبهر الناس به، وكان من بين المنبهرين به الشيخ. محمد راشد عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر واتبعه، وكان إمام الخاصة الخديوية والتف حوله كثير من الناس وجلسوا في الازدياد، يعلمهم الطريقة النقشبندية. وكان من أتباعه محمد باشا محمود رئيس الوزراء حينئذ. فضيلة الدكتور، في الحلقة القادمة إن شاء
الله نكمل هذه الحلقات إن شاء الله. كنتم مع طريقنا. إلى الله مع تحيات أحمد بشتو وهيان فاروق ميت